خطبة الجمعة بعنوان : كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا ، للدكتور خالد بدير
كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا
خطبة الجمعة بعنوان : كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 30 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 21 نوفمبر 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا. : كما يلي:
أوّلًا: الإسلامُ دينُ الجماِلِ.
ثانيًا: الجمالُ صورٌ ومظاهرُ.
ثالثا: جمالُ حسنِ الجوارِ وعدمُ الاعتداءِ عليهِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا: كما يلي:
خُطبةٌ بعنوانُ: كُن جميلًا تَرَ الوجودَ جميلًا.
30 جمادى الأولى 1447هـ – 21 نوفمبر 2025م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أوّلًا: الإسلامُ دينُ الجماِلِ.
إنَّ الدينَ الإسلاميَّ دينُ الجمالِ، والجمالُ قيمةٌ عليا يحبُّها اللهُ تعالى، ويحبُّها الرسولُ ﷺ. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بطرُ الحقِّ وغمطُ الناسِ» [رواه مسلمُ].
يقولُ المناويُّ رحمه الله: “«إنَّ اللهَ تعالى جميلٌ» له الجمالُ المطلقُ، ومن أحقُّ بالجمالِ منهُ، كلُّ جمالٍ في الوجودِ من آثارِ صنعتهِ، فله جمالُ الذاتِ وجمالُ الصفاتِ وجمالُ الأفعالِ، ولولا حجابُ النورِ على وجههِ لأحرقتْ سبحاتُ وجههِ ما انتهى إليه من خلقهِ. «يحبُّ الجمالَ» أي: التجملُ منكم في الهيئةِ، أو في قلةِ إظهارِ الحاجةِ لغيرهِ، وسرُّ ذلك أنه كاملٌ في أسمائهِ وصفاتهِ، فله الكمالُ المطلقُ من كلِّ وجهٍ، ويحبُّ أسماءَهُ وصفاتهُ، ويحبُّ ظهورَ آثارِها في خلقهِ، فإنَّه من لوازمِ كمالهِ”. [فيض القديرُ].
ولأهميةِ الجمالِ في الإسلامِ خلقَ اللهُ الإنسانَ في أجملِ صورةٍ ومظهرٍ، بل إنَّ اللهَ أقسمَ على ذلك، واللهُ سبحانهُ لا يقسمُ بشيءٍ على شيءٍ إلا لأهميةِ المقسمِ بهِ والمقسمِ عليهِ. قال تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }.(التين: 1 – 4 ). يقول الإمام ابن كثير رحمه الله:” قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَشَكْلٍ؛ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، سَوِيَّ الْأَعْضَاءِ حَسَنَهَا”. (تفسير ابن كثير). وقال الإمام الرازي:” أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ ذِي رُوحٍ مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا الْإِنْسَانَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهُ مَدِيدَ الْقَامَةِ يَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهُ بِيَدِهِ”.(مفاتيح الغيب).
فالإنسانُ أجملُ من جميعِ المخلوقاتِ، بل أجملُ من القمرِ، وقد روي في ذلكَ ” أن عِيسَى بْنُ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ كَانَ يُحِبُّ زَوْجَتَهُ حُبًّا شَدِيدًا ، فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ، فَنَهَضَتْ وَاحْتَجَبَتْ عَنْهُ، وَقَالَتْ: طَلَّقْتَنِي!. وَبَاتَ بِلَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى دَارِ الْمَنْصُورِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَأَظْهَرَ لِلْمَنْصُورِ جَزَعًا عَظِيمًا، فَاسْتَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ وَاسْتَفْتَاهُمْ. فَقَالَ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ: قَدْ طُلِّقَتْ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ سَاكِتًا. فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. يَا أمير المؤمنين، فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شي أحسن منه. فقال المنصور لعيسى بن مُوسَى: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّجُلُ، فَأَقْبِلْ عَلَى زَوْجَتِكَ. وَأَرْسَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ إِلَى زَوْجَةِ الرَّجُلِ: أَنْ أَطِيعِي زَوْجَكِ وَلَا تَعْصِيهِ، فَمَا طَلَّقَكِ. فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ أَحْسَنُ خَلْقِ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا .” (تفسير القرطبي).
ولأن اللهَ تعالى يحبُ الجمال أمرنا بالتنظفُ والتطهرُ والتطيبُ عند الإتيانِ إلى المساجدِ للقائه تعالى في أحسنِ صورةٍ. فعن الحسنِ بنِ عليٍّ رضي اللهُ عنه أنَّهُ إذا قامَ للمسجدِ لبسَ أحسنَ ثيابِهِ وأجودِهَا، فسُئِلَ عن ذلك فقال: إنَّ اللهَ جميلٌ يجبُّ الجمالَ، وإنِّي أتجمَّلُ لربِّي وهو يقولُ: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. (الأعراف: 31).
فالتجمُّل قيمةٌ إسلاميَّة، وعمل صالح مرغوبٌ إذا صحَّت معه النيَّة، فربُّكم الكريم الجميل يحبُّ أنْ يرى أثَر نعمته على عباده، تُرَى هذه النعمة في التجمُّل في اللباس والهيئات، والمسكن والمركب، وفي حَياتهم كلها، تجمُّل في غير سرف ولا مخيلة. فعَوْفِ بْنِ مَالِكِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا قَشِفُ الْهَيْئَةِ, فَقَالُ: “هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ”؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: “مِنْ أَيِّ مَالٍ”؟ قُلْتُ: مِنْ كُلٍّ قد آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالرَّقِيقِ وَالْغَنَمِ, قَالَ: “إِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا, فَلْيُرَ عَلَيْكَ”. (أحمد وابن حبان بسند حسن). وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ». (الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
فالدينُ الإسلاميُّ دينُ الجمالِ، والإنسانُ بحسنِ خلقتهِ وصورتهِ أجملُ ما في الكونِ كلهِ.
ثانيًا: الجمالُ صورٌ ومظاهرُ.
للجمالِ في حياةِ الإسلامِ صورٌ ومظاهرُ عديدةٍ، وباجتماعِ هذهِ الصورِ يكونُ الإنسانُ جميلاً! وهي:
جَمالُ القولِ الحَسَنِ معَ الآخَرينَ: فقد دعانَا الدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ إلى القولِ الحسنِ للناسِ جميعًا مسلمينَ وغيرَ مسلمينَ، قالَ تعالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}. (البقرة: 83)، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ: ” أَيْ: كَلِّمُوهُمْ طَيِّبًا وَلِينُوا لَهُمْ جَانِبًا… فاللهُ تعالَى يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، بَعْدَ مَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ، فَجَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيِ الإحسانِ الفعلِي والقولِي”. (تفسير ابن كثير). ويقولُ الفخرُ الرازِيُّ: “مِنَ المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أنَّهُ إذا أمْكَنَ التَّوَصُّلُ إلى الغَرَضِ بِالتَّلَطُّفِ مِنَ القَوْلِ لَمْ يَحْسُنْ سِواهُ، فَثَبَتَ أنَّ جَمِيعَ آدابِ الدِّينِ والدُّنْيا داخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: {وقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا}. (مفاتيح الغيب). لذلكَ عدَّ الرسولُ ﷺ طيبَ الكلامِ مِن الصدقاتِ حيثُ قال: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» (متفق عليه). ورُوِىَ أنَّ عيسى عليهِ السلامُ مرَّ بقومٍ من بني إسرائيلَ فقالوا له شراً ، فقال خيراً، فقيلَ لهُ: إنهم يقولونَ لكَ شراً وتقولُ خيراً؟! فقالَ لهم عليهِ السلامُ : كلُ واحدٍ ينفقُ مِمَّا عندهُ !!
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ بِجَمَالِ القَوْلِ الحَسَنِ وَالصَّفْحِ وَالإِعْراضِ عَنِ الجَاهِلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟” قَالَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ” (تفسير ابن كثير). فَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ مُثُلٍ وَمَا أَجْمَلَهَا مِنْ أَخْلَاقٍ.
جمالُ حسنِ الخلقِ: وذلك بأن تُحَسِّنَ أخلاقَكَ مع جميعِ أفرادِ المجتمعِ، وإذا كان الله قد حَسَّنَ خلْقكَ فادع الله في كل وقت وحين أن يُحَسِّنَ خُلُقكَ. فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي». (أحمد وابن حبان بسند صحيح).
لذلك اهتَمَّ الصحابةُ بحسنِ الخُلقِ وطلبِهِ مِن اللهِ، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ”. (شعب الإيمان للبيهقي).
جَمَالُ تَعَامُلِ التُّجَّارِ الْمُسْلِمِينَ: فلمْ يكنِ الفتحُ العسْكَرِيُّ هوَ الطريقَةُ الوحيدَةُ التي انتشرَ بها الإسلامُ في العالمِ، ولكنْ دخلَ الإسلامُ بلادًا عديدةً عن طريقِ الدعْوةِ التي كانَ يمارسُها التجارُ المسلمونَ؛ سواءً بطريقةٍ مباشرةٍ عن طريقِ عرضِ الإسلامِ صراحةً، أو بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ عندما يرى الناسُ أخلاقَ التجارِ المسلمينَ وصدقهمْ في الحديثِ وأمانتهمْ؛ فيعجبوا بالإسلامِ ويدخلوا فيهِ، وكانَ ذلكَ سببًا في نشرِ الإسلامِ في أكبرِ الدولِ الإسلاميةِ الآنَ كإندونيسيا وماليزيا والصينِ والهندِ وباكستانَ وأفغانستانَ، والجمهورياتِ الروسيةِ، وكلِّ دولٍ وسطٍ وجنوبِ أفريقيا.
جمالُ العلاقاتِ الاجتماعيةِ: فَيَكُونْ صَبْرُكَ جميلا بلا تسخطٍ أو جزعٍ، قالَ تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا}. [المعارج: 5]؛ وإذا هجرتْ لأي سببٍ شرعيٍّ يكونْ هجركَ جميلا. قالَ جلَّ وعلا: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}. [المزَّمل: 10]؛ وفي الطلاقِ الذي هو أبغضُ الحلالِ إلى الله يكونْ سراحًا جميلا، بلا جرحٍ للمشاعرِ، أو هضمٍ وضياعٍ للحقوقِ. قالَ تعالى: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}. [الأحزاب: 49].
جمالُ الحوارِ والاختلافِ واحترامِ الآخر: فينبغي للمحاورُ المختلفُ مع صاحبِه -إذا أراد أن يكون حوارُه ناجحًا وجميلا- أن يتحلى بصفاتِ وآدابِ المحاورِ الناجحِِ؛ كأن يكون متواضعًا هادئًا سلسًا مخلصًا؛ حسنَ الإلقاءِ بعيدًا عن رفعِ صوتِه، فقد كان النبي ﷺ -كما نقلت عائشةُ رضي اللهُ عنها-: “يُحدِّثُ حديثًا لو شاء العادُّ أن يُحصِيَه لأحصاه، لم يكن يسرِدُ الحديثَ كسردِكم” [البخاري ومسلم]. فلا بدَّ للمحاورِ من التجردِ في طلبِ الحقِ، والحذرِ من التعصبِ والهوى، وإظهارِ الغلبةِ والمجادلةِ بالباطل، وأن يكون همُهُ طلبُ الحقِ وإيصالهُ للآخرينَ، وليس الانتصارُ للنفسِ. يقول الإمامُ الشافعيُ: “ما ناظرتُ أحدًا قط، إلا أحببتُ أن يوفَّق ويسدّد ويعان ويكون عليه رعايةٌ من اللهِ وحفظٌ، وما ناظرتُ أحدًا، إلا ولم أُبالِ بيّن اللهُ الحقَ على لساني أو لسانِه”. [أبو نعيم في الحليةِ].
وَهَكَذَا يُنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ جَمِيعَهَا جَمِيلًا، يَكُونُ جَمِيلًا فِي مَظْهَرِهِ وَصُورَتِهِ، جَمِيلًا فِي مَنْطِقِهِ وَحَدِيثِهِ، جَمِيلًا فِي أَخْلَاقِهِ وَتَعَامُلَاتِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، جَمِيلًا فِي اخْتِلَافَاتِهِ وَحِوَارَاتِهِ مَعَ الْآخَرِينَ، جَمِيلًا فِي صَلَوَاتِهِ وَخَلَوَاتِهِ، جَمِيلًا فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ، فَيَكُونُ الْمُسْلِمُ جَمِيلًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
ثالثا: جمال حسن الجوار وعدم الاعتداء عليه.
لقد اهتمَ الإسلامُ اهتماما كبيرا بحسنِ وجمالِ الجوارِ، ولشدةِ اهتمامِ الإسلامِ بالجارِ ظنَّ الرسولُ r أنَّ الجارَ سيرثُ جارَهُ، فعَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَهْلِي أُرِيدُ النَّبِيَّ r، وَإِذَا أَنَا بِهِ قَائِمٌ، وَإِذَا رَجُلٌ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً، فَجَلَسْتُ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ قَامَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ، حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، قَالَ: «أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟» ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ لَرَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ» .( أحمد بسند صحيح).
بل إنَّ الإسلامَ جعلَ الإحسانَ إلى الجيرانِ مِن كمالِ وجمالِ الإيمانِ. وجاءتْ الوصيةُ في الصحيحين بالصيغِ الثلاث: الإحسانِ، والإكرامِ، وعدمِ الإيذاءِ. فقال r: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ ». وفي روايةٍ ثانيةٍ:” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ». وفي روايةٍ ثالثةٍ: « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ». وفي المقابلِ نفَى النبيُّ r الإيمانَ عن كلِّ مَن يُؤذِي جارَهُ، فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».( البخاري). بوائقَهُ: شرَّهُ. وعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ “.( مسلم).
ولنضربْ مثالًا عمليًّا على هذه المحبةِ بينَ الجيرانِ. فقد روى: ” أنَّ بعضَهُم شكَا كثرةَ الفئرانِ في دارهِ، فقيلَ له: لو اقتنيتَ هرًّا، أي: قطةً؛ حتى يهربَ الفأرُ مِن دارِك، فقال: أخشَى أنْ يسمعَ الفأرُ صوتَ الهرِّ، فيهربَ إلى الجيرانِ، فأكونَ قد أحببتُ لهم ما لا أحبُّ لنفسِي”. ( إحياء علوم الدين).
إنَّ الإحسانَ إلى الجارِ والصبرَ على أذاه طريقٌ إلى الجنةِ، كما أنَّ أذَى الجارِ والإساءةَ إليهِ طريقٌ إلى النارِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي النَّارِ ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ:” هِيَ فِي الْجَنَّةِ”. (ابن حبان والحاكم وصححه).
فينبغي عليك أنْ تحسنَ إلى جارِكَ وتصبرَ على أذاه، يقولُ الحسنُ البصريُّ: ” ليس حُسنُ الجوارِ كفَّ الأذَى عن الجارِ، ولكنْ حسنُ الجوارِ: الصبرُ على الأذَى مِن الجارِ”. ويقولُ الإمامُ أبو حامدٍ الغزَّالِي – رحمه اللهُ – في الإحياء: “اعلمْ أنَّه ليس حقُّ الجوارِ كفَّ الأذى فقط، بل احتمال الأذَى، فإنَّ الجارَ أيضًا قد كفَّ أذاهُ، فليس في ذلك قضاءُ حقهِ، ولا يكفِي احتمالُ الأذى، بل لا بدَّ مِن الرِّفق، وإسداءِ الخيرِ والمعروفِ”.أ.ه
فمن أرادَ الجمالَ وأنْ يدخلَ الجنةَ، فليحسنْ إلى جارهٍ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: «كُنَّ مُحْسِنًا» قَالَ: كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ قَالَ: ” سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ”.( البيهقي والحاكم وصححه).
وعَنْ كُلْثُومٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ r رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ أَنِّي قَدْ أَحْسَنْتُ، وَإِذَا أَسَأْتُ أَنِّي قَدْ أَسَأْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ” إِذَا قَالَ جِيرَانُكَ: قَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا قَالُوا: إِنَّكَ قَدْ أَسَأْتَ، فَقَدْ أَسَأْتَ “( أحمد وابن ماجة بسند صحيح).
إن الجارَ الحسن الجميل نعمةٌ وسعادةٌ. فعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ». (ابن حبان بسند صحيح).
ألا فليحسنْ كلٌّ منَّا إلى جيرانهِ وليكن جميلا معهم؛ حتى يَشهدُوا له بالخيرِ عندَ موتهِ، فيغفرُ اللهُ له ذنبَهُ؛ فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَهْلِ أَبْيَاتِ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا، إِلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبَارَكَ: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَتَكُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.( أحمد والحاكم وصححه).
فينبغي عليك أخي المسلم أنْ تختارَ جيرانَكَ وتحسنَ إليهم، ليكونُوا عونًا لك على كلِّ خيرٍ، ويأخذُوا بيديكَ إلى الجنةِ، وكما قيل: الجارُ قبلَ الدارِ.
فكن جميلا مع جيرانكِ وأصدقائكِ ومجتمعكِ تر الوجودَ جميلاً .
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُجْمِلَنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِكُلِّ جَمِيلٍ وَحَسَنٍ، وَأَنْ يُبَاعِدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلِّ قَبِيحٍ وَسَيِّئٍ كَمَا بَاعَدَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَأَنْ يَحْفَظَ مِصْرَنَا وَبِلَادَنَا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ.
الدعاءُ،،،، وأقم الصلاةَ،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف








